إعداد : الدكتور محمد امراني علوي
الرشيدية
تقديم
كثيرا ما يتم حصر تراث منطقة ما في ما تتميز به من تراث مادي، أو شفوي ، أو عادات وتقاليد يتمسك بها السكان ، يصل التمسك بها إلى درجة التقديس أحيانا ، لذلك يحاول سكان تافيلالت التمسك والمحافظة على تراثهم وعاداتهم وتقاليدهم بشكل كبير جدا ، هذا ما دفع البعض منهم إلى جعل هذا التراث أداة للاستثمار التنموي بالمنطقة، قصد الحصول على دخل مادي من جهة ، وتشجيع قطاع السياحة الداخلية والخارجية من جهة ثانية ، خصوصا وأن اقتصاد الإقليم يعتمد على قطاع السياحة بشكل كبير جدا ، وفي هذا السياق يندرج "مشروع عين للاميمونة السياحي" ، الذي جمع بين أهمية الماء في قلب الصحراء ـ والماء المعدني خاصة ـ وتراث المنطقة المادي على الخصوص، ليقدم في إطار مشروع يحمل خصوصيات المتحف المحلي بامتياز ، حيث يحتوي على العديد من التحف تشخص الحياة اليومية للإنسان الفيلالي، وعلاقته بالبيئة والمجتمع ، وبذلك فمن يزور عين للاميمونة يشعر وكأنه وسط مجتمع فيلالي مصغر، بتاريخه الماضي العريق.
موقع هذا المشروع المهم ، فهو قريب من الطريق الرئيسية الرابطة بين مدينة تنجداد ومدينة تنغير، على بعد مابين عشرة كيلومترات ،من مدينة تنجداد في اتجاه تنغير.
ـ التعريف بالإقليم وأهميته السياحية
يعتبر إقليم الرشيدية المعروف من قبل بقصر السوق ، وتاريخيا بتافيلالت وسجلماسة ، من أقدم أقاليم المملكة ، حيث أنشئ منذ حصول المغرب على الاستقلال سنة 1956، ويشكل محطة مهمة من تاريخ هذا الوطن ، فهو منطلق العديد من العلماء والملوك مؤسسي دول المغرب لأقصى .
يمتد الإقليم على مساحة تناهز 60000كلم مربع ، ويقدر عدد سكانه ب 523117نسمة ، وبذلك يعتبر أحد أكبر الأقاليم في المملكة ، يتميز بمساحة شاسعة وقاحلة ، تتخللها من الجهة الشمالية الغربية جبال الأطلس الصغير المطلة على ضفاف وادي ملوية ، وتحيط شرقا بالنجود العليا المغربية الجزائرية ، وجنوبا بمنطقة صحراوية واسعة ، ويتميز مناخ المنطقة بطابعه الشبه جاف ، حيث ان معدل التساقطات لايتعدى 290 ملم في السنة بالمرتفعات ، و250 ملم في السنة في المنخفضات ، أما الأيام المشمسة فتقدر ب 330 يوما في السنة ، ويلاحظ خلالها فوارق حرارية ملموسة بين النهار والليل والشتاء والصيف( ) .
وفي المجال السياحي يعتبر إقليم الرشيدية ـ تافيلالت عموما ـ من أهم الأقاليم التي حباها الله بقدر كبير من المؤهلات السياحية المتميزة والمتنوعة ، بتنوع تضاريسه، وتباين مكوناته الجغرافية والبشرية والطبيعية ، فهذا التنوع أعطى هذا الإقليم حظا كبيرا لأن يصبح قطبا متميزا وركنا أساسيا من مثلث تمتد أضلاعه بين أكادير وورزازات والرشيدية ، إن هذا الموقع يجعل من هذا الإقليم حلقة وصل بين منظومة المدن العتيقة بمنتجها التقليدي ، والجنوب المغربي الحافل بالأمجاد التي تحكي عنها مآثر سجلماسة ، والقصور العتيقة الواقعة عبر الواحات الممتدة على جنبات واد غريس وواد زيز ، وواد كير ( ) .
ولعل ما يستهوي السياح ـ الأجانب و المغاربة ـ السياحة الإستشفائية، سواء بواسطة الرمال الصحراوية ، والمياه المعدنية التي توفرها الحامات، والعيون الطبيعية المتواجدة بالإقليم ، وخاصة حامة مولاي علي الشريف ، وعين مولاي هاشم ، وعين للاميمونة ( )، وهذه الأخيرة هي بيت قصيد هذه المداخلة المتواضعة ، والتي من خلالها نحاول التعريف بهذه العين الإستشفائية من جهة ، وبدورها في تشجيع التنمية السياحية الداخلية من جهة ثانية.
ـ عين للاميمونة بين الأسطورة والتاريخ
في غياب المصادر التاريخية التي تؤكد حقيقة العديد من الأمور ، يتم اللجوء إلى الرواية الشفوية كمصدر من مصادر التأريخ ، نفس الشيء ينطبق على عين للاميمونة، حيث تم الاعتماد على ما قدمه لنا صاحب المشروع ، فقد أكد السيد زايد اعبو ( )، أن دلالة اسم " عين للاميمونة" تعود إلى الأسطورة القديمة ، وخاصة الحجايات التي تحكى من طرف الجدات للأطفال ، ونظرا لغياب أية وثيقة تاريخية أو غير تاريخية توضح ذلك ، لابد من طرح السؤال التالي ما السر في إطلاق هذا الاسم على هذه العين بالذات ، وفي هذا المكان بالذات ؟ لكن استقاء الأخبار والمعلومات أكدت أن الاكتشاف جاء صدفة حسب ما أكده صاحب المشروع ، بعدما تبين لأحد قياد المدينة سنة 1973 أن الماء الموجود بهذه العين غير عادي ، حيث تأكد ذلك بواسطة التحليلات المختبرية كونه ماء معدني ، ,أهميته الصحية على الإنسان كبيرة جدا ، إلا انه غير صالح للنشاط الزراعي ، فقد استعمل عدة مرات في هذا النشاط، لكن النتيجة كانت سلبية ، لذلك فالمكان الذي تتواجد فيه هذه العين لايحتوي بتاتا على أشجار أو نباتات أو غيرها ، فهي منطقة جرداء خالية، إلا من الذين يعرفون قيمة مائها الصحي حيث يتجهون لها قصد الاستشفاء ، هذا ما أعطاها شهرة في مدينة تنجداد ، وفي المناطق المجاورة لها باعتبارها مزارا للاستشفاء ، وليس متحفا للتراث المحلي، هذا ما جعل صاحب المشروع يحول هذه العين من أسطورة إلى حقيقة على ارض الواقع ، عندما وضع العين في مكان مختبئ ، وعليه قبة خضراء جعلتها مميزة عن كل البنايات المتواجدة في المكان ، معتمدا في ذلك كما يقول على جملة قرأها في كتاب الأمير الصغير " أهمية الصحراء تكمن في بئر مختبئ " وهي الجملة التي تستقبل أي زائر لهذا المكان ، حيث كتبت على صخرة بلون أزرف صافي ، يرمز من حيث دلالته إلى الماء وأهميته في الحياة ، حسب ما أكده صاحب المشروع ( ) .
فمن خلال ماسبق يتضح أن السيد زايد أعبو حاول أن يجعل من عين للاميمونة ذلك المكان المهم في قلب الصحراء ، من خلال توظيف العديد من المعطيات الأخرى المرتبطة بالبيئة المحلية ، وبذلك فعين للاميمونة أصبحت حقيقة واضحة للعيان ، بعدما كانت مختبئة وملفوفة بعناصر أسطورية ، زادتها جمالا ورونقا في حقيقة الأمر .
ـ عين للاميمونة والتراث الحضاري
لقد كان لمهنة السيد زايد أعبوـ الإرشاد السياحي ـ تأثير كبير جدا في تحويل مكان عين للاميمونة من مكان مهمل إلى مكان له أهمية كبرى ، مكان يعبر ويوضح ويقدم العديد من الحقائق التي عرفها تاريخ المنطقة ، من خلال ما يعرض من تحف أثرية بمتحفهاالأثري ، أو إن صح التعبير " مدينة للاميمونة الصغيرة " لكونها تحمل خصوصيات المدينة المغلقة نظرا لطبيعة المكان الذي صمم فيه المشروع ، والاعتماد الكلي على الأدوات والمواد المحلية في البناء، والتصميم الهندسي الذي وضع لذلك ، تجعل الزائر لها يشعر وكأنه وسط مدينة عتيقة بأسواقها وصناعاتها المتنوعة ، حيث يصبح الزائر يشاهد العديد من الصناعات البدائية، والآلات القديمة المعروضة هناك ، وما يزيد ذلك جمالا ورونقا، الشروح التي يقدمها صاحب المشروع ، رغم أنها تحتاج إلى نوع من التأصيل، والتدقيق، حتى يمكن للباحث المتمرس الاستفادة منها ، لكن في حقيقة الأمر فإن هذا المشروع أصبح يحافظ على تراث ثقافي مهم جدا ، تناسته الأجيال الحالية ، بل منهم من يتنكر له ، وهي في حقيقة الأمرتعتبر مصادر تراثية مهمة لها قيمتها التاريخية ، وتكفي الإشارة إلى ماقاله الدكتور جمال شفيق عليان " تعريف المصادر التراثية اليوم له علاقة بتطوير المجتمع المعاصر ، ويعتمد على قيم ومتطلبات ذلك المجتمع ، هذا التراث يؤمن الأسس للهوية الوطنية ، ويكون مرجعا للذاكرة وللروح لإيجاد توازن مع نوعية الحياة "( ) ، ولعل هذا ما أعطى أهمية كبرى للآثار المادية، والشفوية التي تدخل في صميم التراث الثقافي والإنساني ،لذلك تم وضع العديد من القوانين على المستوى الدولي تنظم وتؤكد على الحفاظ على هذا التراث الإنساني( ) ،وبذلك يكون صاحب مشروع للاميمونة ساهم في تقديم خدمة جليلة للتراث الثقافي المحلي من خلال تجميعه والمحافظة عليه ، وتقديمه للزائر الوطني والأجنبي ،باعتباره قيمة جمالية إنسانية تميزت بها المنطقة خلال مراحل تاريخية معينة يمكن ملاحظة استمرارية بعضها إلى اليوم ولو في صور أخرى ( ) .
هكذا يمكن القول ، أن مشروع للاميمونة السياحي كهدف رئيسي لصاحبه ، قد جمع بين المشروع المادي من جهة ، والمحافظة على تراث إنساني أصيل تميزت به المنطقة من جهة ثانية ، سيصبح له صدى على المستوى الوطني والدولي ، إذا تمت العناية به، والتعريف به أيضا ، مع محاولة تقديم محتوياته في إطار تأصيل تاريخي مرتبط بالبحث الجاد، والهادف إلى خدمة التراث الإنساني بشكل عام والتراث المحلي بشكل خاص ،خصوصا وأن هذا المتحف يحتوي على عدد من المخطوطات والوثائق المهمة ، التي تحتاج إلى قراءة، وتصنيف، وتوثيق،وترتيب من طرف الباحثين المهتمين بذلك ، علماأن صاحب المشروع الذي يعرضها للعموم أكد على عدم معرفته لمحتوياتها ، لكنه يحافظ عليها ، ويقدرها ، وهذا أمر واضح انطلاقا من طريقة عرضها ، والعناية الكاملة التي يوليها لها ولباقي مكونات متحف عين للاميمونة.
ـ محتويات متحف عين للاميمونة
لقد جمع هذا المتحف العديد من الآثار المادية ، ذات الارتباط التاريخي بالمنطقة من جهة ، وبالعديد من مناطق الوطن المغربي من جهة أخرى ، وبذلك يمكن تصنيفها إجمالا فيما يلي :
ـ أثار الصناعة الخشبية المحلية بالمنطقة
ـ الصناعة الحجرية التي عرفتها المنطقة
ـ الصناعة الحديدة المحلية وآلات المستعملة على مستوى الصناعة المحلية
ـ بعض الانتاجات النسيجية ، والتي توضح أنماط اللباس وطرق اللباس لدى سكان المنطقة
ـ الصناعة الخزفية ، والأدوات التي يتم استعمالها بواسطة هذه الصناعة
ـ احتوائه على العديد من الأدوات المرتبطة بصناعة الحجارة المحلية على الخصوص .
فمن خلال مشاهدة كل هذه المحتويات يتضح أن مكوناتها تعود في الأصل إلى البيئة المحلية ، أي مساهمة البيئة المحلية في توفير المواد الأولية لصناعة هذا التراث المحتفظ به ، ومدى قوة الارتباط بهذه المنطقة ، التي توفر لساكنتها كل حاجياتهم ، إلى جانب إبداع الساكنة واستفادتها من هذه المواد الأولية، التي ستتحول إلى وسائل إنتاج مهمة كان لها الدور الأساسي في بناء جزء مهم من الحضارة المحلية ، ولما لا الحضارة المغربية ، حيث جمعت نوعا من التكامل بين ثقافات وعادات وتقاليد كل مكونات المجتمع المغربي .
ـ خاتمة
قد يبدو منذ الوهلة الأولى أن صاحب المشروع يهدف إلى الاستثمار السياحي المادي في هذا القطاع ، وهي الفكرة التي يرفضها الكثير بدعوى أن هذه العين ملك للجميع ، لكن ما يشفع له في ذلك هو الاهتمام الذي أوله لجمع والمحافظة على هذا التراث المادي ذو الأصول المحلية ، وكذلك تراث العديد من المناطق المغربية ، مما يؤكد بالوثائق المادية صلة الترابط الوثيق والحقيقي التي عرفها المغرب بين مناطقه، من شماله إلى جنوبه ، ومن غربه إلى شرقه ، وتقديمه في صورة جميلة للزائر، لكن لابد من الإشارة إلى نقطة مهمة تتمثل في دعوة الباحثين، وخاصة أصحاب التخصصات ذات الارتباط بالجانب التراثي إلى ضرورة البحث في هذا المجال ، وخاصة التراث المحلي ، ووضع بنك معلومات خاص بالمنطقة ، يكون مرجعا لكل الباحثين من أبناء المنطقة أو غيرهم ، مع تقديم مساهمة فعالة في جانب التعريف بالمنطقة، وخصوصياتها الثقافية ، والعلمية ، في إطار ترسيخ ثقافة المحافظة على التراث الإنساني بكل مكوناته، مع دعوة الجهات المختصة بالجانب السياحي إلى ضرورة هيكلة قطاع السياحة ،وخاصة مهنة الإرشاد السياحي، باعتبارها الأداة التي تقدم هذا التراث للسياح الأجانب على الخصوص، وذلك في تحديد مستويات علمية محترمة بالنسبة للمرشدين تؤهلهم لضبط العديد من المعطيات المرتبط بالتاريخ، والتراث المغربي بصفة عامة .

0 comments:
Post a Comment